بين الزواجين العرفي والسري
الزواج العرفي مختلف عن الزواج السري، ومع ذلك يخلط كثير من أهل الفتوى بينهما، واكثر العامة لا يفرقون بينهما ايضا، فالزواج العرفي هو مصطلح حديث رسخه قانون رقم 78 لسنة 1931 في مصر، حيث لم يعد من المعترف به قانونا: الزواج الذي يكون بغير وثيقة رسمية منذ ذلك التاريخ، وذلك إذا انكره صاحباه أو احدهما، وهو الزواج العرفي، مع انه يستوفي شروط الصحة من العقد والولي والمهر والاعلان. وأما نكاح السر فمصطلح قديم عرضت له بعض كتب الفقه المتقدمة عرضا سريعا، ويعني افتقاد الزواج الاعلان الاجتماعي، اما بغياب الولي والشهود، أو بحضور شهود غير عدول يستكتمون، أو بمحاولة اسباغ الشرعية على علاقة عاطفية غير ناضجة بين حدثين يحاولان استغفال المجتمع تحت دعوى النكاح. ومن هنا نريد ان نوضح ان ظاهرة الزواج السري المعاصرة، لها ابعاد جديدة وخطيرة وانها غير ما عرض له فقهاؤنا قديما، إذ يتعاقد فيها الفتيان والفتيات مؤقتا دون علم الاهلين عند محام، أو يكتبان بنفسيهما على ورقة بيضاء عقد زواجهما بلا ولي، وربما بلا شهود، أو بشهادة صديقين لهما لا تتحقق لهما الاهلية للشهادة، ومع هذا يتواصيان بالكتمان، ويستحلان بذلك المعاشرة الزوجية دون ان يؤسسا بيتا، أو يكونا اسرة، وربما دون ان يدفع الشاب مهرا، ويحرصان على منع النسل، ثم يصيران إلى تمزيق الورقة أو اختفاء الزوج السري دون كلمة واحدة، ممايجعل المرأة رهينة علاقة لا تعرف حكمها الشرعي الصحيح. وهناك وقائع كثيرة في واقعنا الاجتماعي تظهر التمايز بين الزواج العرفي والزواج السري، كما ان عددا من فقهائنا المعاصرين ميزوا بينهما، وهذا هو الحق الذي ينبغي ان يعلمه كل مسلم، فالخلط بين هذين النكاحين هو خلط بين الحق والباطل. والحكم لن يكون صحيحا على ظاهرة ما لم تكن لدينا المعلومات الكاملة عنها، وما لم يتحدد مفهومها بين اعيننا، ويتميز عن غيره. والزواج السري يفتقد مراعاة شروط الزواج الصحيح، لأنه يجري على صورة تخل بالشرعية والقانون، سواء في صيغة العقد، أو الشاهدين، أو الولي والعاقدين، أو المهر، فالصبية والمراهقون الذين يجترئون على هذا العقد المقدس، لا يصح بهم إنكاح، ولا نكاح، ولا شهادة، ولا عقد. وفي كل الحالات، الزواج السري هو زواج بلا ولي، والزواج بلا ولي اختلف فيه العلماء، فالجمهور على ان الزواج بلا ولي لا يصح، وابو حنيفة على انه يصح، وكل له ادلته من القرآن والسنة والقياس،والصحيح هو مذهب الجمهور، لظهور تعاضد الكتاب والسنة على اشتراط الولي في النكاح. وعلى أية حال، فإن من قال بصحة مباشرة المرأة نكاحها بنفسها ـ وهم الحنفية ـ احتاط للأولياء بشروط حتى لا يكون النكاح سبب عار أو مذلة لهم بين الناس، وذلك من خلال شرطين، هما: ان يكون الزوج كفؤا للمرأة، وألا يقل مهرها عن مهر المثل.
: الزواج السري مناف للفطرة والعقل
للأسف الشديد لقد أصبح الزواج السري ظاهرة بل آفة اجتماعية خطيرة تهدد استقرار واستمرار كيان الاسرة العربية والأدهى في هذا كله مبررات هذا الزواج لهؤلاء والتي لا تقنع حتى الطفل الصغير‚ لا أدري كيف ارتضت هذه الفئة لنفسها ان تسلك طريقا معقدا وطويلا فقط لإشباع غرائزها الحيوانية مع علمها التام بأن النهاية لن تكون مرضية لكلا الطرفين وكما هي عادة الظلم يقع أولا وأخيرا على المرأة فبالتأكيد ان الظلم الفادح والخسارة الكبرى هي ما تتكبدها الزوجة لأنها حسب اعتقادي الخاسرة الوحيدة في سوق الزواج هذا وفي كافة الاحوال‚ وفي رأيي ان من يلجأ إلى الزواج سرا يعاني من الخوف وانه شخص مهزوز وضعيف وشخصية كهذه لا يمكن الوثوق بها أو الاعتماد عليها ولا تعفى المرأة المشاركة في هذا الأمر ولا يمكن التعاطف معها لأنها من المؤكد سوف تعود خائفة كما كانت ولكن بشكل أكبر والزوج ان فعل ذلك فهو لا يتحلى بصفة الرجولة إطلاقا‚ هذا أمامها فكيف إذا كان أمام الناس لا شك ان من أهداف الزواج تكوين أسرة والأسرة هي نواة المجتمع فكيف يتحقق الهدف في ظرف زواج كهذا‚ فالرجل الذي يتزوج في السر لا يفعل ذلك إلا لقضاء حاجة وقتية بحجة الظروف وهو في الواقع غير كفؤ للمسؤولية التي يجب عليه تحملها لأن زواجه في السر هو في حد ذاته خطيئة على الرغم من ان الزواج هو إكمال الدين وهنا تقع الطامة الكبرى إذا ما رزقوا بأبناء في هذا الزواج فهل يمكن حينها إخفاء الأبناء كما أخفي الزواج‚ انهم يهربون من مشكلة إلى كارثة وان أبسط تسمية يمكننا ان نطلقها على هذا الزواج هو انه قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة كما تعلمون ان الزواج عملية استقرار وهي هنا تنتفي فالسعادة أبدا لا تعيش في السر ولا تدوم في الظلام وان ما يقوم به هؤلاء سرقة في وضح النهار ولكنها سرقة من نوع آخر سرقة العمر والعرض قد نستطيع اخفاء أسرارنا في صدورنا ولكن ليست كل الاسرار تظل خافية خاصة المشتركة ونحن ان فعلنا ذلك فسيأتي الوقت الذي ينكشف فيه الأمر خاصة أمر الزواج والذي يقوم أساسا على شرط الاعلان والإشهار فلماذا إذن يتم في الخفاء وسرا؟ ما الذي يجبر الفتاة على القبول به ومهما كانت الاسباب التي تؤدي بالفتاة إلى اللجوء لهذا النوع من الزواج ومهما كانت المبررات إلا انها تخطىء خطأ فادحا حين تختار هذه الطريقة لأنها ليست الوسيلة المناسبة لمعالجة أي أمر في الحياة فهذا الزواج هو في حد ذاته مأزق أكبر من مبرراته لأنه في النهاية يجعل مصير العائلة كلها وليس الفتاة فحسب وفي قبضة رجل مستغل إلى ذلك يساهم ويدفع إلى تشويه سمعة الفتاة‚ فالناس يستمرون في نقل أسرار وخصوصيات بعضهم البعض وكثيرا ما يساء فهم وتحليل ونقل الكثير من الاحداث وهذا ما نهانا عنه ديننا الحنيف وحثنا على إعلان الزواج وإشهاره ليعلم الجميع انه ثمة علاقة بين رجل وامرأة وهي شرعية خالصة هذا من ناحية ومن ناحية ثانية لا ينبغي لأحد ولا يجوز تحت أي ظرف أن يبني سعادته على أنقاض سعادة الآخرين لذلك لا بد من التصدي لهذا النوع من الزواج ومواجهة مروجيه درءا للفتن والفتاة التي تقدم على مثل هذا الارتباط تكون قد ارتكبت جريمة بحق نفسها أولا وبحق جميع الناس ثانيا وكذلك الاطفال وأيضا ترمي نفسها إلى الهاوية‚ إذ كيف ترضى لنفسها بزواج ناقص اسمحوا لي ان أصف كل من تلجأ وتوافق على زواج كهذا بأنها مغفلة وان مبدأ الزواج الصحيح هو ضمان استمرار الزواج وديمومته وهذا لا يمكن ان يتحقق بزواج سري والذي أراه زواجا محرما ولو لم يكن كذلك لشهده الملأ وهذا هو الحلال فالحلال في الإشهار والإعلان وفي ظل كل ما تقدم لدي سؤال يفرض نفسه كيف لنا ان ننهض بقيمنا ومبادئنا في ظل احكام أسرية تفرضها عقول انانية لا تبحث إلا عن مصالح ذواتها انني أقول لكل امرأة قبل ان تعطي كلمتها الاخيرة في الزواج السري مهما كانت أسبابك لهذا الزواج اعلمي ان الحب الحقيقي لا يكون إلا في العلاقة المشروعة التي تصان فيها الاعراض والتي لا تتعدى على الكرامة فمن يحبك حقا يجب ان يحميك أولا لا أن يذلك ويضعك في إطار حقير دون قدرك‚
الــــزواج الســـري
باطل... باطل
ظاهرة جديدة وخطيرة تتشكل حاليـًا في بعض مجتمعات المسلمين وخطورتها أنها تتشكل في الخفاء ، فلم يعلم بها أكثر الناس الذين من الممكن أن تأخذهم على غرة ، وتنالهم من حيث لا يحتسبون في أعز ما يملكون ، فهي تختص بالأعراض المصونة والحرمات المكنونة ، والأشد خطورة أنها تتم بالمكر والخداع والتحايل على الشرع وتحاول إضفاء صفة الشرعية على ما ليس كذلك ، وسبب ذلك الجهل بأحكام الدين الحنيف أو الجرأة على حدوده ، ومع الجري وراء قناع زائل وشهوة مؤقتة ، والفرار من مسؤوليات اجتماعية مقدمة يتم إلباس الباطل ثوب الحق للتوصل إلى المحرمات باسم ما شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
زواج شرعي أم بغاء
هذه الظاهرة الخطيرة يقوم بها العديد من الشباب جهلاً بالدين أو تجرؤأ عليه ، وإقناع الشابات بالزواج سراً سببه الاختلاط الذي يعيش فيه كثير من الناس في أماكن التعليم والعمل والتثقيف والترفيه ، يسعى كثير من شياطين الإنس إلى التغرير بالبنات ، فيترصد الشاب للشابة كما يترصد السبع لفريسته ، ويوهم الشاب الفتاة أنه يحبها ويريد أن يتزوجها ، وأن ما يمنع من ذلك هو ضيق ذات اليد عن أن يتقدم في الحال لأهلها طالبـًا إياها .
ومع اللقاءات المتكررة يؤثر الشاب على عواطف من يوقعها سوء حظها فريسة في طريقه ، ويتفنن في إثارتها وما اجتمع رجل وامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما ، ويدعي لها أنه يمكن أن يتزوجها في السر زواجـًا عرفيـًا - كما يسمى في بعض الأقطار العربية - أي بلا وثيقة رسمية مسجلة ، وعلى هذا يتم العقد دون علم من أهل الفتاة أو من أهل الفتى ، ولا يجري أي إعلان أو إشهار ، وقد لا يحدد مهر ، ولا يقام حفل زفاف ولا وليمة ، أو مسكن للزوجين ولا أثاث !
وسبب ذلك خديعة البنات في هذا الأمر هو أن الشاب يقنعها بأنه زواج شرعي لا شبهة فيه ، وأنهما سيظلان على هذه الحال حتى تيسر له مؤونة النكاح ، فيتقدم لأهلها رسميـًا ، ويتم الزواج رسميـًا دون أن يدري الأهل بما سبق وجرى من عقد .
ويتوصل الشاب بهذا إلى معاشرة الفتاة وكأنها زوجة ، حيث يلتقيان في أماكن مخصوصة وأوقات معلومة ، ويحرصان مع ذلك على الاحتياط حتى لا يتم حمل يكشف للأهلين الخديعة التي تجري من وراء ظهورهم ، وهم عنها غافلون .
ولم يقف الأمر عند هذا ، فمع اعتقاد بعض الشباب أن زواجه هذا شرعي ، يبقى يغرر بمزيد من الفتيات ، فيتزوج في السر مثنى وثلاث ورباع ، وكل واحدة منهن لا تدري من الأخرى شيئـًا ، فإذا ما عرف هذا المجترىء على دين الله فتاة جديدة ، سرح إحداهن بغير إحسان ليعقد على الجديدة ، وربما تجرأ بعضهم فعقد بهذه الطريقة على ما هو أكثر من أربع ، ما دام الأمر لا يكلفه إلا دراهم معدودات .
وماذا يحدث بعد ذلك ؟ إن غالب هؤلاء الشباب لا يصدق في وعده ، ولا يأتي اليوم الذي يتقدم فيه لأهل الفتاة ، وهنا تصير هي رهينة لهذه العلاقة الآثمة ، وإذا رأت أن الشاب قد خدعها ،وحطم حياتها ، فإنها ستجد نفسها مدفوعة إلى درك أكثر سوءاً وربما تنتقل العدوى إلى أخرى بالطريقة نفسها ، ويستمر منحدر السقوط حتى يعتاد هذا الفريق من الناس أن يعقد كل سنة ، بل كل شهر أو أسبوع زواجـًا سريـًا جديداً ، ويحسبونه هينـًا ، وهو عند الله عظيم .
وقد فتح هذا الزواج السري الباب واسعـًا أمام بعض البنات الصغيرات اللواتي هنّ في سن لا يكاد يصدق ، سن ما قبل السادسة عشرة أو ما بعدها ، يستمرىء هؤلاء الزواج السري مرات ومرات جريـًا وراء الشهوات والأموال ، فإذا تركها واحد من أخدانها بحثت هي عن آخر ، دون أن تسمع عن شيء اسمه عدة المطلقة ، وكيف تسمع والزواج بالأصل باطل ، والأهل عنها لاهون ، على حين أنها تمتهن كرامتها وكرامتهم ، وتصير مضغة في الأفواه ، وتعتاد هذا النوع من الزواج البغائي ، مما يستوجب من أولي الأمر سن قانون يعاقب على هذه الجريمة التي لم تعرفها مجتمعاتنا من قبل .
وأن بعضهم قد وقع في براثن هذا الزواج السري بحسن نية ، وبعضهم يمكن أن يقع فيه بحسن نية كذلك ، لذا يجب أن نتفرغ وسعنا لكي نبين لماذا لا يعد هذا الزواج السري زواجـًا شرعيـًا ؟ .
الزواج نظام اجتماعي
إن الزواج في روحه نظام اجتماعي يرقى بالإنسان من الدائرة الحيوانية والشهوات المادية إلى العلاقة الروحية ، ويرتفع به من عزلة الوحدة والانفراد إلى أحضان السعادة وأنس الاجتماع ، وهو عقد ارتباط مقدس بين رجل وامرأة يمضيه الشرع ويباركه الله تعالى ، ولا ينبغي أن يصير مادة للعبث أو المخاطرة والمغامرة ، واللعب بالدين والشرع ، بل الواجب أن يؤدي إلى حياة استقرار ومعاشرة بالمعروف ، وبناء أسرة بالمودة والرحمة ، وتأسيس بيت مسلم يقوم على تربية ذرية مسلمة تعبد الله سبحانه وتحفظ حدوده ، وتنصر دينه .
ولكنا لا نجد شيئـًا من ذلك في الزواج السري ، فلا ألفة بين أسرتين ، ولا إذن لولي ، ولا مهر ولا نفقة ، ولا مسكن ولا متاع ، ولا أسرة ولا أولاد ، ولا حياة مشتركة ولا قوامة للرجل ، ولا طاعة من المرأة ، ولا علم بين الناس ، ولا يجري التوارث بين الخليلين ... مما يجعلنا نجزم بأن هذا لا يعد زواجـًا عرفيـًا كما يدعون ، ولا شرعيـًا كما يريد الله تعالى .
لقد أمر الله سبحانه في النكاح بأن يميز عن السفاح والبغاء ، فقال تعالى : (فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان) [النساء:25] ، وقال جل شأنه : (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان) [المائدة:5] ، فأمر بالولي والشهود والمهر والعقد ، والإعلان ، وشرع فيه الضرب بالدف والوليمة الموجبة لشهرته .
لا نكاح إلا بولي
ليس للمرأة أن تنفرد بتزويج نفسها من دون رأي أهلها ، وليس لولي المرأة أن يتولى إتمام العقد وإنجازه دون استشارتها ، فالإسلام يتوسط في ذلك ، فيحرص على المشاركة بين المرأة ووليها وأهلها ، فللمرأة أن تعرب عن رغبتها ولا تكره على الزواج أبداً ، وولي المرأة يتولى إبرام العقد وإتمامه بعد إذنها ، وبذلك لا يستقل أي منهما بالعقد ، فالمرأة لا تنفرد بتزويج نفسها دون أهلها ، ولا وليها ينفرد بتزويجها دون رأيها ، وليس في هذا حجر على حرية المرأة في الاختيار ، ولكنه حرص على تحقيق الاطمئنان الكامل في الحياة الزوجية وضمان المشاركة والمصاهرة بين أسرتين بعلائق قوية ودية يشهدها ويباركها .
والزواج ليس علاقة بين الرجل والمرأة تنشأ في فراغ اجتماعي ، ولكنه علاقة بين أسرتين وعائلتين قائمة بالمودة والرحمة والتناصر ، فيكون منع المرأة من الاستقلال بالعقد رعاية لحق أسرتها في أن تكون العلاقة الزوجية سببـًا في توطيد أواصر المودة بين أسرة الرجل وأسرة المرأة ، ويضاف إلى هذا أن النصوص عن الكتاب والسنة لا تدل قطعـًا على حق المرأة في الاستقلال بالعقد ، إن من تكريم الإسلام للمرأة منحها حقها في اختيار زوجها ، ولكن ليس ذلك في السر أو من وراء أسرتها ، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تبين كيف تكون المشاركة في الاختيار ، ومن ذلك مارواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [لا تنكح الأيم حتى تستأمر ، ولا تنكح البكر حتى تستأذن] قالوا : يا رسول الله ! وكيف إذنها ؟ قال : [أن تسكت] .
وإذا رفضت المرأة رجلاً فليس لوليها أن يكرهها على الزواج منه لقوله صلى الله عليه وسلم فيما
رواه مسلم : [الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأمر ، وإذنها سكوتها] وليس معنى أنها أحق بنفسها أن وليها لا حق له ، بل له حق ، ولكنها أحق عند المفاضلة إذا تعارضا بالقبول والرفض .
وروى أحمد وأبو داود وابن ماجه عن ابن عباس أن جارية بكراً أتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكرت أن أباها زوّجها وهي كارهة ، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم .
والسنة تبيّن أن النكاح بلا ولي باطل قطعـًا ، ومن ذلك ما رواه ابن حبان والحاكم وصححاه عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [لا نكاح إلا بولي] وروى ابن حبان والحاكم أيضـًا وغيرهما عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال [أيما امراة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، بنكاحها باطل ، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له] .
ومنه أيضـًا ما روه ابن ماجه والدارقطني بإسناد رجاله ثقات عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [لا تزوج المرأة المرأة ، ولا تزوج المرأة نفسها] وروى مالك في الموطأ عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، أنه قال : "لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها ، أو ذي الرأي من أهلها ، أو السلطان" .
الإشهاد والإعلان
الغرض من الإشهاد في الزواج هو الإشهار ، فإذا اتفق من يريدان الزواج مع الشهود على كتمان أمر زواجهما يقضي ذلك على العقد بعدم الصحة ، لأن كتمان الزواج قام مقام عدة الشهادة ، أو ألغى الهدف منها .
وأوجب الإسلام إعلان النكاح ، وندب إلى إشهاره بالضرب على الدفوف وإظهار الفرح والسرور ، والإحتفال به ومشاركة كل من أسرتي الزوج والزوجة ، فقد روى الترمذي عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [أعلنوا النكاح ، واجعلوه في المساجد ، واضربوا عليه بالدفوف] .
ومن الأحاديث التي تنص على وجوب الإعلان كذلك ما رواه الإمام أحمد وصححه الحاكم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [أعلنوا النكاح] ، وما رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن محمد بن حاطب الجمحي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدف في النكاح] .
ويفرّق الإمام ابن القيم بين الزواج الشرعي والزوج الباطل بقوله "وشَرَط في النكاح شروطـًا زائدة على مجرد العقد ، فقطع عنه شبه بعض أنواع السفاح بها ، كاشتراط إعلانه ، إما بالشهادة ، أو بترك الكتمان ، أو بهما معـًا ، واشترط الولي ، ومنع المرأة أن تليه ، وندب إلى إظهاره ، حتى استحب فيه الدف والصوت والوليمة ، وأوجب فيه المهر ، ومنع هبة المرأة نفسها لغير النبي صلى الله عليه وسلم وسر ذلك : أن في ضد ذلك والإخلال به ذريعة إلى وقوع السفاح بصورة النكاح ، كما في الأثر : "المرأة لا تزوج نفسها ، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها" ، فإنه لا تساء زانية تقول : زوجتك نفسي بكذا سراً من وليها ، بغير شهود ولا إعلان ، ولا وليمة ، ولا دف ، ولا صوت ، إلا فعلت ، ومعلوم قطعـًا أن مفسدة الزنى لا تنتفي بقولها : أنكحتك نفسي ، أو زوجتك نفسي ، أو أبحتك مني كذا وكذا ، فلو انتفت مفسدة الزنى بذلك لكان هذا من أيسر الأمور عليها وعلى الرجل ، فعظم الشارع أمر هذا العقد ، وسد الذريعة إلى مشابهة الزنى بكل طريق" أ . هـ .
عقد مؤقت وزنى مقنع
يتفق الطرفان في هذا النكاح وقت إبرامه على أنه مؤقت إلى حين أن يتيسر للرجل التقدم لأهل المرأة ، وليتم الزواج رسميـًا بمعرفتهم ، وبهذا تعد نية الزواج الأول مؤقتة ، وكثيراً ما يعرض للطرفين عارض يحول دون نية الإعلان الرسمي للزواج مستقبلاً ، فلا يتقدم الرجل للمرأة .
وكثير من الشباب المخادع استغل جهل البنات وهو لا يقصد زواجـًا ، ولا هو في نيته بل يريد أن يعقد عقداً لا يقصده ليتمكن من الإستمتاع بالفتيات دون أن يتحمل مسؤوليات الزواج الشرعي ، وهذا نكاح لا يقع لأنه ليس مقصوداً ولا معقوداً في النية مثل نكاح المحلل حيث المحلل عقد عقداً لا يقصده ولا ينتويه حقيقة لذا حكم الشرع ببطلانه .
بل إن هذا الزواج طريقة خفية يتوصل بها إلى ما هو محرم في نفسه ، وهو الزنى ، ولأن المقصود بها محرم باتفاق المسلمين ، فهي حرام كذلك ، وسالكها فاجر ظالم آثم ، وكونه يسعى إلى ذلك متخفيـًا مخاتلاً أشد ظلمـًا وإثمـًا ، فشره يصل إلى الأسر الآمنة ، ويضر الأعراض المصونة من حيث لا تشعر ، ولا يمكن الاحتراز عنه ، ولهذا أمر الشرع بقطع يد السارق لأنه يستخفي بجرمه ، على حين لم يأمر بقطع يد المنتهب والمختلس ، ولذلك أيضـًا من قتل غيلة يقتل ، وإن قتل من لا يكافئه ، وكذلك من جحد شيئـًا استعاره وأنكره ، تقطع يده لعدم إمكان التحرز منه ، ولأنه يعد سارقـًا .
وهذا النكاح الغريب لم يعرفه العرب في الجاهلية لأنهم كانوا أهل نخوة ورجولة ، ولم يشرع في الإسلام ولا وجود له في حياة المسلمين ، ولم نر قبل اليوم أناسـًا يسعون للزواج سراً وخفية ، بل يطلب الناس الزواج إعلانـًا وإشهاراً ، واجتماعـًا ومصاهرة ، ولا نظن أحداً يرضى هذا النكاح لا أخته ، أو لإبنته ولا حتى لإبنه ، لأنه خروج على الفطرة السليمة ، ومقاصد الاجتماع الإنساني ، ومحادة للدين والأخلاق القويمة ، بل هو مكر وخداع واستهزاء بآيات الله ، ولعب بالشريعة ، وتحليل للمحرمات ، وانتهاك للمحرمات يأباه العقلاء ، ويتخذه غير المسلمين موجبـًا للطعن في الدين الحنيف والنيل منه ، ومن البيّن أن الإسلام بريء من كل هذه المحدثات التي تشبه حيل اليهود في تحليل الحرام ، ولأننا نرى كثيراً من الشباب والشابات يقعون في هذه الشراك المنصوبة ، لذا كان واجبـًا أن يبذل الدعاة والمربون والعلماء جهودهم لبيان وجه الحق ، وللإنكار على المجترئين والمخادعين والضالين ، ولمعالجة الأسباب التي أوجدت هذه الظاهرة ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حيّ عن بينة